تبدَّتْ لنا وسْطَ الرُّصافة نخلةٌ تناءتْ بأرضِ الغرب عن بلد النخلِ فقلتُ شبيهي في التغرُّب والنوى وطولِ الـتَّنائي عن بَنِيَّ وعن أهلي نشأتِ بأرض أنتِ فيها غريبةٌ فمثلُكِ في الإقصاءِ والمُنْتأى مثلي
الحنين إلى الوطن.. ماذا قيل فيه؟
كَتَب عبدالرحمن الداخل الأبيات السابقة عندما رأى النخلةَ التي غَرَسها في رُصافَةِ قرطبة، والتي أتى بفسيلَتِها من دمشقَ حينما شدّ الرحال منها نحو الأندلس..
لنا في الأندَلسِ تاريخًا لا يفنى ذِكرُه، عظيمٌ ما عَظُمَتِ الدُولُ جميعَها، أُطلقَ على عبدالرحمنِ الداخلِ لقبَ صقرِ قريش، إثرَ تاريخِهِ الذي قدِم به من الشامِ إلى الأندلس، وقد سُمِي بالداخلِ لأنه دخل – هاجر- إلى الأندلسِ وأعلن استقلاله بها في شهر رمضان من العام ١٣٨ للهجرة، و بني أميّةَ أشهرُ من نارٍ على عَلَم، مجدٌ عريقٌ حَكَم الأندلسَ لثلاثةِ قرون، وازدهرت فيه الكثيرُ من المجالات، وكان صرحًا زاخرًا بالأدبِ والعِلم والعروبة الأصيلة..
منذ نعومة أظفارنا نردّد ماقاله لسان الدين ابن خطيب:
إنّنا مجدٌ وعزٌ إنّنا.. عائدون أمتي لا تيأسي
تغنّينا بقصائدِ الشعراء الأمويين، وأبحرنا في حكاياهم بين قصور غرناطة وإشبيلية وقرطبة، والجامع الأموي في قرطبة والذي من عظمته كان يحسبه الناس قصرَ الملك..
كانَ عِزًّا عريقًا يتجسّد بجميع المعاني، كمثل العزّة التي نطق بها صقر قريش لجنوده عندما اشتدّت بهم الحرب:
هذا اليومُ هو ما يبنى عليه إما ذل الدهر وإما عز الدهر، فاصبروا ساعةً فيما لا تشتهون، تربحوا بها بقية أعماركم فيما تشتهون
في كلّ ركنٍ من أركان الأندلس ثمّة ذكرى للتاريخ المجيد، من منّا قد ينسى صقرَ قريش؟ وهشام بن عبدالرحمن؟ ومن منّا لم يعرف قصة ولّادة بنت المستكفي وابن زيدون؟ أشهر شعراء الأندلسِ وأعذب قصص الحبّ..
في هذا الشهر ذكرى قيام قرطبة عاصمةً للدولة الأموية في الأندلس، لن ننسى.
"بالله إن زرتَ المغاني مـرةً عـرِّج علـى أهلـي هنـاك وسلِّـمِ كانوا الملوكَ على الزمَان و قارنوا الجَوزاء و اصطفوا جِوار الأنجُم و إذا سألتَ فلم تُجِـبكَ طُلولـُهم فاشرَق بدمعـك أو فغُـصَّ بعلقَـمِ يا أرضَ أندلسَ الحبيبة كلـِّمي إني بكيـتُ علـى فِراقِـكِ فاعلمِـي لم تُنسِني الأيـامُ صَوتَـكِ عِندمَـا ناديتنـي فصَمَـتُ لـمْ أتكلـَّمِ وقعدتُ عَن أرضٍِ ُتبادُ وعن رُبَى سَعِدت قروناً في ظِلالِ المسلِـمِ" عبدالله الشهري
فتيلة معكم و بقربكم